العلاقة السامة في علم النفس
قبل كل شيء كثيرا ما نسمع من أباطرة علم النفس و خاصة في إحدى جلساتهم مع مرضاهم، و بعد التدقيق و التمحيص و التبحر في أعماق نفس المريض ، العبارة التالية ( لقد عايشت علاقة سامة استنزفت من قواك ، شوهت نقاء روحك ، و عمقت النظرة الدونية لنفسك ) فما هي العلاقات السامة ؟ و ما هو تأثيرها على شخصية الفرد، و تكوينه النفسي ؟ فعرف العلماء تلك العلاقات بأنها روابط هدامة تستنزف كل ما لدى الشخص من مشاعر و أحاسيس و عواطف ، يبذل فيها الشخص الغالي و النفيس بغية إرضاء من حوله و خاصة أحبائه و ذلك على حساب نفسه و طاقته و سلامه النفسي ، و فيما بعد يكتشف الشخص بأنه قد وقع ضحية لأناس لم يقدروا جميل ما بذل من عاطفة و عطاء ، بل على العكس قد استغلوا ذلك استغلال بشعا و عندما انتهوا من ذلك الإستغلال، تركوا هذا الشخص وحيدا مهزوما ،محطم النفس مسلوب الأمل ، فاقدا للشغف لكل ما يربطه بهذه الحياة.
👇إقرأ موضوعنا👇
علامات العلاقات السامة
و في نفس السياق و عند ذكر البدايات، ففي البداية يكون كل شيء مثاليا بطريقة مفرطة للغاية ، دائما البدايات تكون خادعة ، يبدو كل شيء في غاية الروعة كأنك تعيش في عالم خيالي ، تحتسي فيه نشوة انتصاراتك ، تشتتم فيه عبق أحلامك و كأنه صار ملك يديك ، كأنك ملكت الدنيا بأسرها فأنت قد وجدت توأم الروح المنشود ، فتصبح أعمى العين و البصيرة و لا تدرك إلا متاخرا ، بأن ما عشته ما كان إلا وهما زائفا و بأن الإستقرار و الحب الافلاطوني الذي كنت تنشده ، ما كان إلا سرابا و أن من خاللت ما هو إلا شيطان بهيئة ملاك ، كيف تعرف أنك في علاقة سامة ؟ ، كثيرا ما يخالج الشك الكثير من الناس عن ماهية علاقاتهم بغيرهم ، هل هي علاقات صحية ؟، هل كنت موفقا في اختيار الأشخاص المقربين من حدودي الخاصة ؟ هل يستحقون فعلا هذا الكم الهائل ، من العواطف النبيلة و الإخلاص و التفاني ؟، هل عليك أن تحترق في سبيل سعادة غيرك هو أمر صحي ؟ في السطور القادمة ، نذكر علامات هامة للغاية فيها رسائل تحذيرية عن مدى خطورة هذه العلاقة على حياة الشخص و صحته النفسية و نذكر منها التالي :
👇إقرأ موضوعنا👇
الرغبة في الهيمنة و السيطرة : فتجد أحد طرفي العلاقة يحاول تهميش الطرف الآخر، بكل ما أوتي من وسائل متاحة ❌
فيجعله يعتقد بأنه على خطا دوما و أن رأيه ليس بتلك الأهمية ، و مهما حاول الشخص الآخر توضيح وجهات نظره حول أمور معينة تبوء محاولته بالفشل بسبب اصطدام آراءه تلك بشخصية ذلك الشخص المهيمن ، فعن طريق الصراخ و الترهيب و التهديد و الوعيد يصبح أحد الأشخاص في العلاقة تابعا للشخص الآخر ، بلا هوية ، بلا معالم ، بلا شخصية ، الرأي رأي الطرف المهيمن ، هو الآمر الناهي ، هو صاحب الحق الأوحد في تقرير الأمور المصيرية في حياة ذلك الشخص
العطاء من طرف واحد فقط ❌
حيث يقوم أحد الطرفين بالإهتمام دوما بالطرف الآخر و بمشاعره ، و بذل كل ما هو نفيس في إسعاد ذلك الشخص و توفير كل حاجاته و إشعاره بالأمان بغية إظهار كم هو مهم بالنسبة إليه ، يقابل هذا الكم من العاطفة وجود شخص أناني نرجسي لا يعرف سوى ثقافة الاخذ ، لا يبذل أدنى مجهود للحفاظ على الطرف الآخر ،و لا يحب أن يفعل شيئا سوا تلقي الحب و المشاعر و كل ما يستطيع أخذه من الطرف الآخر غير آبه باحتياجات ذلك الشخص ، أو مشاعره فهو بالنسبة له وسيلة لإشباعه العاطفي و تحقيق كل ما يرغب به ، دون بذل أي مجهود في سبيل الحصول على تلك المكاسب
رغبة احد طرفي العلاقة في تغيير هوية شريكه❌
فأساس الحب أو أي علاقة اخرى هو التقبل التام لهذا الشخص في حياتنا بعيوبه و مميزاته، و كل مافيه لكن في العلاقات السامة حتما الأمر يتخذ وجهة أخرى ، فيعمد أحد طرفي العلاقة إلى البدء بإنتقاد الطرف الآخر ، بغية تشكيله فيما بعد على الشاكلة التي يريدها و كأنه مرتبط بدمية يحركها كيفما شاء، دون أن يأبه لكيان هذا الشخص ، إذا أحببت شخصا فانك تحبه كما هو دون أن تغير فيه شيء ، أما أن أقوم بتغييره على الشاكلة التي تتناسب مع أهواءك فهذا ليس حبا، بل هو حب تملك لا أكثر يفقد فيه أحد الطرفين هويته، بغية إرضاء الطرف الآخر
👇إقرأ موضوعنا👇
أسباب العلاقة السامة
و في غضون ذلك و بعد اكتشافنا لعلامات تلك العلاقات السامة ، لابد لنا من التوقف لبرهة معينة، فعلى الرغم من معرفة أغلب أولئك الأشخاص بأنهم يقبعون لدى سجن تلك العلاقات المظلمة، لكن أغلبهم لايستطيعون تجاوزها أو حتى الخلاص منها و يعزى ذلك إلى أسباب كثيرة نذكر منها
غياب الوعي : فالطرف الذي يقع ضحية علاقة سامة يصبح منوما تنويما مغناطيسبا، يعميه الحب عن تصرفات الطرف الآخر و كم هو تعيس في هذه العلاقة ، هو فقط يرى محبوبه ، هو أعمى عن تبعات هذه العلاقة التي هي لاحقا سوف تكون سببا في اختلال توازنه النفسي و دمار حياته
قلة تقدير الذات : فأغلب الأشخاص الذين يقعون ضحية لتلك العلاقات هم اشخاص عديمي الثقة بانفسهم، لا يعرفون قدر أنفسهم ، فعندما قبلهم الطرف السام في العلاقة أحسوا بقيمتهم، و بأن هذا الشخص هو الوحيد الذي سوف يتقبلهم في هذا العالم ، فيتعلقون به تعلقا مرضيا و مهما واجهوا من ألم و ذل و اضطهاد ، من طرف ذلك الشخص لا يستطيعون تركه ، فبتركه يعتقد الشخص بأن لا أحد آخر في هذا العالم سيحبه ، و يتقبله كما فعل ذلك الشخص
وجود بعض المصالح المشتركة : فقد يدرك الشخص في نهاية الأمر أنه في براثن علاقة سامة ، لكنه لا يستطيع ان يلوذ بالفرار بسبب وجود مصالح مشتركة بينه و بين الجلاد ، سواء أكانت عقارات أو ممتلكات أو مصالح عمل، أو حتى شراكة عائلة و أطفال
علاج العلاقات السامة
من ناحية أخرى فإن الخلاص من العلاقة السامة هو مهمة صعبة للغاية ، لان العلاقة السامة في الأساس تنطوي على تعلق الضحية بالجلاد ، على الرغم من معرفة أن هذا الجلاد هو سبب تعاسته في هذه الحياة ، و في خطوة أولى للتخلص من آثار تلك العلاقة المؤذية ، لابد للشخص من قطع كافة وسائل التواصل مع الشخص الذي قد تسبب في إيذائه ، فيجب عليه أن يقوم بحظره على كافة منصات التواصل الإجتماعي، و عدم التواصل معه عن طريق الرسائل أو المكالمات الصوتية، فإن ذلك التواصل يغذي تلقاءيا تلك العلاقة و يصبح من الصعب جدا الخلاص منها فيما بعد ، فقطع التواصل يعني قطع الارتباط المشاعري و بالتالي التخلص التدريجي من الألم الذي سببه هذا الشخص لنا ، أما الخطوة القادمة و هي الأهم هي اللجوء الى استشاري نفسي متخصص بمثل تلك المشكلات ، فإن الجلسات المتكررة مع ذلك الاستشاري و إتباع نصائحه، و الخضوع للعلاج من آثار تلك العلاقة سوف يساعد في التحرر التام من آثارها بشكل كامل، و من أهم النقاط التي يجب للشخص أن يقوم بالعمل عليها مع مستشاره النفسي ، تقدير الذات فلولا النظرة الدونية للذات و عدم معرفتنا التامة بقيمتنا الحقيقية ، و انتظار الإستحقاق من الآخرين لما وقعنا ضحايا لمثل هذا النوع من العلاقات ، فالشخص الواثق من نفسه الذي يعرف قيمة ذاته الحقيقية لن يستطيع الدخول إلا في علاقات متوازنة يكون فيها العطاء و الإحترام متبادلا ، علاقة سوية لا تقوم على اللوم و الهيمنة بل الإحترام و الحب و تقدير الآخر
👇إقرأ موضوعنا👇
الجرم السماوي العجيب/كوكب اليابان
و كتلخيص لما سبق لابد لنا من القول بأن حياتنا هي أثمن ما لدينا ، لنكن على قدر كبير من الوعي فيما يخص علاقاتنا مع الآخرين ، فليس كل الأشخاص يستحقون دخول حياتنا و ابتغاء مكانة فيها ، فليس كل وجه بسام لنا هو وجه محب و ليست كل عبارة حب هي من مكنونات القلب ، قد يختبأ وراء كل ذلك جانب مظلم ، شخص أناني نرجسي مستهتر لا هم له سوى مصالحه الشخصية ، نحن نستحق أن يحبنا الآخرون كما نحن ، بماهيتنا نفسها بشخصيتنا ، بعيوبنا ب مميزاتنا ، كل إنسان على وجه هذه البسيطة هو إنسان مميز له بصمته الخاصة ، قد تتشابه الأشكال لكن الأرواح مختلفة و الروح بصمة و البصمة لاتتكرر.
تعليقات
إرسال تعليق